المثالية

المثالية

وانا صغيرة كنت في عيلتنا بيتضرب بيا المثل في الشطارة...الشابة اللي على طول من الأوائل وبتاع... وبالتالي كنت لما أقصر أو اغلط فحاجة كان بيتقالي "ازاااااااي انتِ قدوة!".

كبرت وبدأت اتدين وكده وأحفظ قرءان... وبالتالي برضه بقيت لما أقصر أو اغلط فحاجة بيتقالي "ازاااااااي انتِ قدوة!". كبرت كمان واتجوزت وخلفت واشتغلت وبقيت أدي كورسات واكتب على الفيسبوك وناس كتير عرفتني... وبالتالي بقيت لما أقصر أو اغلط فحاجة بيتقالي "ازاااااااي انتِ قدوة!".

 

بين المراحل دي بقى كانت بتيجي مراحل لطيفة كده ممكن نسميها "طرشئة من فكرة انتِ قدوة"... مراحل تمرد وعك ولخبطة نتيجة الابتزاز العاطفي الرهيييييب اللي اسمه "انتِ قدوة" ... انتِ قدوة ف اتكلمي وفكري والبسي واكتبي بطريقة مثالية دايما عشان احنا مش هنتقبل منك غير كده! انتِ قدوة فماتغلطيش... انتِ قدوة فإحنا قاعدين لك على الكلمة والحركة والهمسة بنحللها! خليكي دايما مثالية! وياريت فكل حاجة.. حتى وانتِ نايمة! نامي بمثالية من فضلك!

المثالية دي ضغط رهيب على البني أدم وبالذات بقى لو طفل!! انت الكبير فقدوة... انت الولد الشاطر فقدوة...وبعدين نكمل.. انت مدرس فقدوة.. وانت دكتور فقدوة.. وانت أب وانتِ أم وانتِ المحجبة وانتِ المنتقبة وانت الشيخ وانت وانت... ولما يغلط ويبان شيء من "اللا مثالية البشرية" اللي فيه - زي بقيت خلق الله - نشطب عليه ونعنفه ونوبخه ونبتزه عاطفيا..

 

ويفضل الطفل يكبت في مشاعره ورغباته ويدور على المثالية عشان يبقى "قدوة" لحد ما يطرشأ فعلا وفي سن معين نلاقيه راح الناحية التانية خالص (وده مش عذر بس دي نتيجة)!

البني ادمين عموما والأطفال بالذات جزء كبير من عملية التعلم في حياتهم إنهم يغلطوا! يغلطوا من غير ما نوبخهم ونحسسهم بالصدمة إنهم غلطة عشان هما "قدوة" وننسى إنهم بني ادمين ... أنا والله العظيم عدى عليا أوقات فحياتي كنت بقول ياريتني كنت فاشلة عشان أعمل اللي أنا عايزاه وأهلي يفرحوا لما أنجح لهم بدرجة! ياريتني ما كنت شاطرة فكذا عشان ماظهرش واتعرف وأفضل شايلة هم مين بيتعلم مني إيه! كان بيدخل لي شيطان فظيع واخاف أكمل في الحاجة اللي بعملها وشاطرة فيها عشان التوقعات والضغط هيشتغل! وخاصة لما الناس تبدأ تمدح فيا!

 

مفيش حد مثالي! مفيش حاجة في الحياة مثالية! المثالية دي أصلا ضد طبيعة البني أدم اللي مخلوق "خطَّاء"! فنبطل نضغط على نفسنا وعلى ولادنا بكلمة "انتِ قدوة"...ونسيبهم يبقوا أطفال.. بشر...يبقوا شاطرين في حاجات وحاجات لا... يغلطوا ويتعلموا حاجة من غلطهم ويستمتعوا بحياتهم وينطلقوا ‪.


Leave a comment

Please note, comments must be approved before they are published